في الآونة الأخيرة وعبر مواقع التواصل خرج على المجتمعات نمط سلوكي قبيح جداً يلبس أصحابهُ قناع التديّن والإحتساب بينما هم غارقون في الفُحش والبذاءة تجاه الآخرين , المشكلة الأكبر أنّ البعض منهم يظنّ فعلاً أنّه لا يزال في دائرة التديّن ولم يُغادرها .
وقف الكثير من المُثقّفين والمُفكّرين وأصحاب الطّرح في حيرة من أمرهم في أسباب هذا الكمّ الّلافت من البذاءة تجاه الرأي الآخر وتجاه المُختلف , والواقع أنّه لا يوجد سبب وحيد أو مُباشر وإنّما هي عدّة عوامل أدّت إلى وجود هذا السّلوك العدائي المُتربّص .
من أهمّ تلك العوامل الفهم القديم والمغلوط والمُنحرف عن فكرة الإحتساب والتديّن وأنّها مساحة تستوعب كل شيء في سبيل الدّفاع عن الرأي الدّيني , وطبعاً ذلك الفهم خرج جُزء كبير منه من كتب التُراث وجُزء آخر من البيئة وأحاديث المجتمع .
أيضاً من الأسباب المُهمّة هو الإعراض التامّ عن فكرة (الخلاف الفقهي) والتشبثّ الدّائم برأي أوحد وتجاهُل ما عداه أو التصادُم بشكل عنيف معه , كذلك من ضمن الأسباب إعتقاد البعض بأن لبس الأقنعة في مواقع التواصل يُلغي الضّمير والأخلاق بحيث يكون مسموحاً له التمادي والتعرّي من الأخلاق , لذلك كل قِناع في مواقع التواصل يتكلّم بلهجة التديّن هو محلّ شكّ وريبة حتى يثبُت العكس .
ومن الأسباب أيضاً الإنصراف عن مضمون الفكرة ومحور الموضوع والتركيز على الأشخاص ومُحاولة جرد كل تاريخهم لإيجاد سبب وتبرير لرفض رأيهم الحالي , وحتى لا تضيع الجهود التربويّة والتعليمية سُدى من الأفضل الوقوف بحرص وعناية على هذا الأمر المُؤثّر والمُحرج , وتصحيح فكرة أن التديّن ليس مُجرّد مظاهر وطقوس وشكليّات وإنّما هو بالدّرجة الأولى سلوك ومُعاملات , إذ أنّه لا يُعقل بأن ترى من ينهى الناس عن سماع الموسيقى مثلاً أو عن التصوير بينما هو واقع في القذف والشّتمم وأقذر الأوصاف مثل الدّياثة وغيرها .
إذاً يبدو أن هناك من يظنّ أن بإمكانه أن ينحرف كما يشاء وفي ذات الوقت يُمارس الإحتساب ! وهذه الفكرة تُشبه إلى حدّ كبير الرّقص مع الشيطان .