من أشدّ عوائق التقدّم والتجديد والتطوّر هو الرّكون المُستمرّ والدّائم إلى أقوال السّابقين والقدماء الّذين رحلوا مُنذ مئات السّنين , وقد تغيّرت من بعدهم الأزمنة والعصور والمُستجدّات حتى أصبحت في وادِ آخر يختلف عنهم كثيراً وعن زمانهم .
ومع ذلك تجد الكثير من المجتمعات ينتهجون سلوك التعظيم المُبالغ فيه حتى يصل بهم إلى مرحلة التقديس وحصر الحقيقة في بضعة أشخاص وأفراد , والإمتعاض الشّديد من مُحاولة إنتقادهم أو مُراجعة طرحهم ومؤلّفاتهم , وكأنّ تلك الآراء أصبحت نافذة على كل العصور مهما امتدّ بها الزّمن , ليس المقصود الإنتقاص منهم أو التخلّص بشكل كامل من تُراثهم وإنّما عدم الوقوع في التعصيم والتقديس الّذي يُخرجهم عن بشريّتهم , لكل زمان نصيبهُ من العلماء والمُبدعين والمجتهدين فلماذا التشنّج والتوقّف عند عصر معيّن والبقاء فيه ! لن يجد (التخلّف) أشدّ وأقوى من هذا الأسلوب لضمان بقاءه وإستمراره .
إذا أردت أن تبقى متوقّفاً على عقليّة إحدى الأزمنة السّابقة فيجب عليك أيضاً أن توقِف التاريخ والزّمن فهل تستطيع ذلك ! , فكرة التقديس والتعظيم تنشأ في البداية على هيئة إفراط في الثّقة والتصديق وكأن ذلك الشخص لا يُخطيء أبداً , فهل التبعيّة المُطلقة تُعفي الإنسان من الحساب والعقاب ؟ طبعاً لأ , بل بالعكس هي تزيد من إلقاء الّلائمة عليه عندما عطّل عقلهُ بشكل كامل واكتفى بإقتفاء الأثر فقط .
عندما جعل الشرع من (العقل) شرطاً للتكليف هل كان ذلك الإشتراط عبثياً أم أنّه مقصود ولهُ دواعيه ومُبرّراته , العقل يوجِب التعقّل والتمييز بين الأمور لمعرفة الحقّ من الباطل , أمّا ربط الحقيقة بشخص ومن ثمّ السّير خلفه على غير هُدى فهذا مغبّتهُ السّقوط والتيه والضّياع لأنّ فكرة تعصيم البشر لا وجود لها إطلاقاً في الشّرع بل إنّها تُعتبر خطر على المُعتقد والتوجّه الدّيني , وحتى العالِم الحقيقي ستجد أنّه يستنكر هذا السّلوك في حقّه ولن يقبله على نفسه وسوف يُحذّر الآخرين من التعامُل به , الخلاصة هو أن الإبداع والإجتهاد لا يتوقّف في عصر مُعيّن أبداً وإنّما هو عجلة مُستمرّة ومُتغيّرة بحسب تطوّر المُستجدّات ومُستوى العقول وسعة المدارِك والأفهام .